نبه تقرير رسمي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من اتساع نطاق استغلال الوظيفة والنفوذ من أجل الحصول على منفعة جنسية، وقالت الهيئة التي عرضت تقريرها السنوي برسم 2023، في ندوة صحفية بالرباط، إنها ستقدم تقريرا موضوعاتيا، يتضمن تشخصيا شموليا لهذه الظاهرة، ستم نشره ابتداء من هذه السنة، بما يسوغ توطين هذه الظاهرة ضمن أفعال الفساد، وإخراجها من التنصيف كمجرد أفعال غير أخلاقية أو تحرش جنسي.
وأوضحت أن هذا التشخيص يستهدف إنجاز استقراء مسحي للمعطيات الكمية والنوعية للظاهرة، من خلال قياسها على المستوى الدولي، عبر استظهار معطياتها في الدراسات والأبحاث العلمية والدراسات الاستقصائية، وتشخيصها على المستوى الوطني عبر بارومتر الفساد بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والبحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط، والبحث الوطني حول الرشوة المنجز من طرف الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
وسجلت أن هذه المقاربة التشخيصية مكنت من الكشف عن الأبعاد الحقيقية لتنامي انتشار الظاهرة، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الوطني؛ حيث أفضت إلى ترسيخ القناعة بتفاقم الظاهرة على نطاق واسع، وإلى استجلاء معالمها والكشف عن مختلف أشكالها وتمظهراتها “المتحورة” التي تم تكييفها، من زاوية منظور تجزيئي، على أساس جرائم غير متناسبة مع ماهيتها وحقيقتها، وجعلها أكثر خفاء على االاستقصاء والإثبات.
وأكدت أن التشخيص أبان عن اتساع نطاق المقابلات المقدمة أو الموعودة أو المتوقعة إزاء الخدمات والمنافع الجنسية، وسلط الضوء على سعة مساحة المجالات والقطاعات التي عرفت انتشار الظاهرة، بما يشمل كل فضاء تتم فيه ممارسة أنشطة مهنية واقتصادية، سواء كان فضاء عمل أو فضاء ولوج إلى الخدمات والاستفادة منها.
وكشف التشخيص أيضا حسب ذات التقرير، عن نوعية فئات مرتكبي وضحايا إساءة استغلال الوظائف من أجل الحصول عىل منفعة جنسية، بما يتجاوز الصورة التقليدية النمطية التي تحصر الظاهرة في كونها تمييزا ضد المرأة على أساس النوع.
ووطنت الهيئة الظاهرة ضمن أفعال الفساد بتوصيفها كصورة لإساءة استغلال الوظائف والسلطة والنفوذ من أجل الحصول عىل منفعة جنسية، مام يجعلها مظهرا من مظاهر إساءة استغلال الوظائف التي نصت الاتفاقيات والمواصفات المعيارية الدولية على تجريمها.
وأبرزت الهيئة أنها تسعى إلى استشراف المداخل الأساسية للوقاية من الظاهرة ومكافحتها، من خلال تقييم الإطار القانوني والمعالجة القضائية الوطنية للظاهرة، بالاستناد إلى المواصفات المعيارية المعتمدة دوليا لمواجهة أشكال الظاهرة، وكذا باستقراء التشريعات الدولية والاجتهادات القضائية ذات الصلة بالموضوع.
و قال الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن مؤشر مدركات الفساد برسم سنة 2023 ظلت في حالة ركود، مؤكدة أن الفساد في المغرب يتقاطع مع التراجعات المسجلة في مجال الحقوق السياسية والمدنية.
وشددت الهيئة في تقريرها السنوي برسم 2023، أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط مازالت تنتظر مسارا طويلا لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة، وأن التحديات التي تواجهها منطقة إفريقيا فيما يتعلق بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاستقرار السياسي، توفر أرضية مواتية لتفاقم الفساد.
وأشار التقرير أن وضعية المغرب غير مرضية في مختلف المؤشرات والتقارير والأبحاث المتعلقة بالفساد، والتي لم تعرف تحسنا خلال العقدين اللذين غطتهما هذه المؤشرات، إذ تراجع المغرب بخمس نقاط خلال السنوات الخمس الأخيرة، واحتل الرتبة التاسعة على المستوى العربي، وتراجع ترتيبه بدرجتين على المستوى الإفريقي.
وأكد أن هذه التراجعات تتقاطع مع ما خلصت إليه بعض المؤشرات غير المباشرة، التي أظهرت تراجع المغرب على مستوى مؤشر الفساد السياسي الذي يصدره مشروع أنماط الديمقراطية، وتراجعه على مستوى المؤشرين المتعلقين بتطبيق القانون والحكومة المنفتحة المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون الذي يصدره مؤشر العدالة العالمي، وكذا تراجعه في المؤشرات الفرعية المتعلقة باستقلال القضاء وحرية الصحافة وبالخدمات والأنترنت، المنبثقة من مؤشر النزاهة العمومية الذي يصدره مركز الأبحاث الأوروبية لمكافحة الفساد وبناء الدولة.
ونبه التقرير إلى الإشكالية التي سبق وتحدث عنها المجلس الأعلى للحسابات، والمتعلقة بمحدودية التوصل بطلبات في شأن القضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، من قبل السلطات المخول إليها إحالة القضايا على المحاكم.
وأبرز أن الفساد يحتل مرتبة متقدمة ضمن انشغالات المقاولات التي شملتها الدراسة، وأن الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية، والصفقات والمشتريات العمومية، والتوظيف والتعيين والترقية في القطاع الخاص، تعد بالنسبة للمقاولات المجالات الأكثر تضررا من الفساد.
وسجل التقرير أن فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تأثرت بمحدودية منظومة حكامتها، خاصة على مستوى الإشراف والتنسيق، ذلك أن الديناميكية التي ميزت سنة 2019، بعد تبني التوصيات التي تقدمت بها الهيئة في إطار تقريرها الأول لتقييم الاستراتيجية، سرعان ما عرفت فتورا ملحوظا، بما رسخ العودة إلى تغليب البعد القطاعي، الأمر الذي شكل عاملا أساسيا في غياب النتائج بالمستوى المتوخى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وبالتالي استمرار الوضع غير المرضي لتطور الفساد ببلادنا.