نعى الضابط المغربي المتقاعد علي نجاب، الذي كان أسيراً لدى جبهة البوليساريو، السيناتور الأمريكي جون مكين، الذي وافته المنية قبل أيام، وقال إن المغرب فقد “صديقاً حقيقياً” بوفاة الرجل الذي خاض صراعاً طويلاً مع السرطان استمر سنوات.
جون مكين، الذي كان أسيرا لمدة خمس سنوات في فيتنام، كان له الدور الكبير في تحرير 404 معتقلين مغاربة، أسرتهم البوليساريو والجزائر، وكانتا ترغبان في الاحتفاظ بهم في مخيمات تندوف؛ وذلك بعدما خاض ضغطاً دولياً على السلطات الجزائرية.
وتم أسر هؤلاء من طرف الجزائر عقب الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو في سبعينيات القرن الماضي، وأمضى بعضهم أكثر من ثمانية وعشرين عاماً، لتتدخل المنظمات الدولية لإطلاق سراحهم. وكانت آخر دفعة من المعتقلين المغاربة تم إطلاقها سنة 2003 تحت إشراف اللجنة الإقليمية للصليب الأحمر الدولية، ليتم نقلهم من تندوف إلى مدينة أكادير عبر الطائرة.
علي نجاب، الضابط المغربي الذي قضى سنوات في الأسر ما بين 1978 و2003، حكا في “تدوينة” في صفحته على “فيسبوك” تفاصيل عن لقاء بمكين، وقال إنه “انتقل إلى جانب 5 معتقلين سابقين آخرين إلى واشنطن للقاء السيناتور الأمريكي الراحل جون ماكين من أجل تسليمه الوسام الذي منحه له الملك محمد السادس عقب تدخله من أجل تحرير 404 معتقلين مغاربة”.
وكان للراحل دور كبير في حشد الدعم والضغط على السلطات الجزائرية من أجل إطلاق سراح الأسرى المغاربة الذين كانوا آنذاك يعتبرون أقدم أسرى العالم بسبب تعنت البوليساريو في الرضوخ للمطالب الدولية؛ وكان يطلق عليهم Moroccan POWs، اختصاراً لـPrisoners Of War.
وتم تسليم الأوسمة الملكية آنذاك في مقر الكونغرس الأمريكي، في حفل كبير أشرف عليه السفير المغربي بواشنطن عزيز مكوار، الذي تقلد هذا المنصب ما بين 2002 و2011. وألقى مكين خطاب شكر بهذه المناسبة.
الراحل مكين، حسب نجاب، حرص على شكر المغرب كثيراً، وقال آنذاك في خطاب نقل عنه: “شكراً جزيلاً السيد السفير على هذا التشريف العظيم، إنه اعتراف غير مستحق لأن الأبطال الحقيقيين لهذه القصة هم الرجال الذين تعرفنا عليهم اليوم”، في إشارة إلى المعتقلين المغاربة المحررين.
وأضاف الراحل مكين قائلاً: “من الصعب وصف أو حتى فهم هذه التجربة المذهلة التي مر منها هؤلاء الرجال. أعلم أن هناك ثلاثة عوامل كانت حيوية في قدرتهم على التحمل، أولها إيمانهم بإلههم، إضافة إلى إيمانهم ببلدهم وإيمانهم ببعضهم البعض”.
وأشار الطيار المغربي المتقاعد علي نجاب، الذي خبر الأسر والاعتقال، إلى أن الإيمان يلعب دوراً كبيراً “في ظل الظروف الوحشية التي عاشها الأسرى المغاربة في تندوف، أو تلك التي عاشها مكين في بداية أسره في فيتنام”.
وفي تلك المناسبة، سأل نجاب جون مكين على الهامش حول تحمله للتعذيب والألم خلال فترة أسره فقال رداً عليه: “وقعت في حب بلدي عندما كنت سجيناً، لقد أحببته ليس فقط من أجل رفاهية الحياة هنا، بل لأنه ليس مجرد مكان فقط، بل فكرة”.
وعلى مر ثلاثة عقود وهو يمثل ولايته أريزونا في مجلس الشيوخ الأمريكي، كان مكين متمرداً ولا يلتزم دوماً بخط الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه. وحين ألقى الملك محمد السادس خطاب تاسع مارس سنة 2011، الذي أعلن تعديل الدستور، سارع مكين إلى الإشادة بالخطوة في بيان خاص باسمه.
توفي مكين وهو على مشارف الاحتفال بعيد ميلاده الثاني والثمانين، ويوصف في أمريكا بـ”بطل حرب فيتنام”، وخاض سباق الترشح للرئاسيات الأمريكية مرتين؛ كما يطلق عليه وصف “الإلكترون الحر في السياسة الأمريكية”.
ولد “بطل فيتنام” في قاعدة عسكرية أمريكية قرب قناة بنما، وأصبح طياراً داخل البحرية قبل أن يرسل إلى فيتنام، لتسقط طائرته سنة 1967 خلال مهمته القتالية الثالثة والعشرين، وبقي على قيد الحياة، لكنه أمضى أكثر من خمس سنوات في الأسر لدى فيتنام، تعرض فيها للتعذيب.
وحين عاد مكين إلى بلاده غادر البحرية وتوجه نحو السياسة التي جعلها هدفاً جديداً له، وتحقق ذلك بسرعة، حين انتخب عضواً بمجلس النواب الأميركي سنة 1983. ولم يغادر منصب السيناتور أبداً وأصبح عنصراً أساسياً في الحزب الجمهوري الأمريكي.
وبعد أيام من وفاة مكين، بعث الملك محمد السادس لأفراد أسرته برقية تعزية قال فيها: “إننا لنستحضر بكل تقدير ما كان يتحلى به الفقيد من خصال إنسانية وروح وطنية، والتزام بالقضايا العادلة في مختلف ربوع العالم. لقد فقد المغرب برحيله صديقًا كبيراً، ظلت تربطه به وشائج متينة من التقدير المتبادل، والحرص المشترك على نصرة القيم الإنسانية المثلى”.
وكان مكين خلال السنوات الماضية منتقداً كبيراً للرئيس دونالد ترامب رغم أنهما ينتميان إلى الحزب نفسه، وذلك بسبب الخطاب العنيف لترامب تجاه الهجرة غير الشرعية، وذهب إلى سحب تأييده له في أكتوبر 2016 بعد كشف تسجيل يتباهى فيه بالتحرش بالنساء. عن هيسبريس.