تفاصيل فقدان 42 شابا بساحل طرفاية خلال محاولتهم “الحريك” لجزر الكناري

العيون بريس9 ديسمبر 2022آخر تحديث :
تفاصيل فقدان 42 شابا بساحل طرفاية خلال محاولتهم “الحريك” لجزر الكناري

تحقيق:رضيت الحسين/ العيون بريس

   هم 42 شابا مفقودا، شدوا الرحال من مناطق فاس وبني ملال وقلعة السراغنة، جمعتهم الأقدار بساحل طرفاية ليلة 27 مارس الفارط، ركبوا القارب المطاطي، تاركين ورائهم ابناء يتامى وأمهات ثكالى،  كان طموحهم الهجرة الى الجزر الإسبانية لتحسين اوضاعهم الإجتماعية، بعد ان سئموا من البطالة وقلة ذات اليد، كانوا يمنون النفس باعادة ربط الإتصال بذويهم واخبارهم بوصولهم الى الضفة الأخرى، لكن قدر الله كان فوق كل ارادة، حيث ستنقطع اخبارهم، ومن تم سيتعذر على أسرهم ربط الإتصالات بهم مجددا، ليتحولوا بذلك الى أرقام اضافية في لائحة ضحايا مفقودي المحيط الاطلسي بجنوب المملكة، امواج ساحل طرفاية لم تلفظ جثثهم منذ ما يقارب السنة فيما هواتفهم ظلت مشتغلة وهو ما حير أهاليهم، ومنذ اعلان فقدانهم، طرقت عائلاتهم  أبواب القضاء وسجلت بلاغات اختفاء وشكايات اخرى بالوسطاء و”الحراكة” المتسببين في اختفائهم، كما بادر اقاربهم القاطنين بأوروبا للبحث عنهم في الجزر الإسبانية، لكن بقيت كل هاته المبادرات بدون جدوى في انتظار بارقة أمل من السماء لمعرفة مصيرهم.

من  فاس الى سواحل طرفاية رحلة 5 شبان نحو المجهول

لم يكن يدر في خلد الرفاق الخمسة شباب مدينة فاس، أن حلمهم سيتحول الى كابوس مرعب، وأنهم سيصبحون عبارة عن أرقام محصاة في سجل أعداد المفقودين، ضحايا الهجرة غير النظامية بهذا البلد، ففي أواخر شهر مارس الفارط، وجد الرفاق الأربعة الطريق معبدة نحو تحقيق رغبتهم في الوصول الى الجزر الإسبانية والوصول الى الضفة الأخرى، خاصة أن بعضهم كان ينتظر فقط ان تطأ قدماه أرض الجزر، حيث سيجد هناك في انتظاره احد اقاربه الذي سيرسم له خارطة طريق نحو مستقبل جديد وواعد.  

مع مشارف  نهاية شهر مارس، أمرت الوسيطة “ماية”، أفراد المجموعة بتأهب انفسهم والاستعداد ليوم الرحيل، خاصة مع تحسن اجواء الطقس حسب ما اخبرها به زعيمها الأكبر “علي.ب” “الحراك” الرئيسي الملقب بالحاج  والمشرف على عملية  تهجير الشبان الخمسة.

 بذل الشبان الخمسة، جهودا مضنية  في سبيل جمع مبلغ المال الذي سيمكنهم من الهجرة وتقديمه للوسيطة “ماية” التي تقطن بنفس مدينتهم، حيت تتولى الأخيرة التنسيق مع “الحراك” “علي.ب”   وإجراء الترتيبات الأخيرة في انتظار دق ساعة الصفر والإستعداد لركوب البحر، لكن تجري الرياح بلا ما تشتهي السفن، فقد قطع الشبان الخمسة مئات الكيلومترات، من العاصمة العلمية مدينة فاس الى غاية جماعة اخفنير  ثم الى أحد المسالك البحرية التابعة لطرفاية، حيث هناك ستنتهي رحلة الشبان الخمسة، دون ان يعرف مصيرهم هل هم باقون أحياء يرزقون أم ذهبت ارواحهم الى خالقها.

فوجئت عائلات الشباب الضحايا بتصريحات درك مركز طرفاية، عندما أشعرهم مسؤول المركز أن القارب المطاطي الذي كان يقل مجموعة 27 مارس، جنح الى الشاطئ بعد ان تعرض للغرق،  تصريح لم تهضمه العائلات الحاضرة التي لازالت مصرة على معرفة مصير ابنائهم، خاصة وأن جثت الضحايا لم تلفظها امواج البحر، مما يعني ان الضحايا حدث لهم أمر ما من طرف عصابة التهجير السري، فما حدث تلك الليلة  ظل طيلة التسعة اشهر من الحادثة في طي الكتمان ولا يعلمه إلا منظموا هاته العملية الغامضة، فلازالت العائلات عاجزة عن معرفة ما جرى ووقع لا بنائهم بعد ركوبهم القارب، اذ ظلت القضية لغزا محيرا لهم.

 فقدت العائلات أخبار الشباب الخمسة، وانقطعت اخبارهم بعد وصولهم الى سواحل طرفاية دون ان يعرف مصيرهم، لتتحول إذن فرحة الاعلان عن نبأ وصولهم للضفة الأخرى، الى كابوس مرعب بات يقض مضجع العائلات والأمهات اللواتي بات النوم يستعصي  على عيونهن، وسرن يتحدثن عن ابنائهن المفقودين في كل حين ولحظة، صارت كل أم تكلم  من حولها عن قصة ابنها  المفقود بعرض البحر، وتبحث عن مصيره هل مزال حيا يرزق ام ابتلعته مياه الأطلسي، بل باتت كل أم تتحسس ملابس ابنها الموضوعة في دولابه الخاص وأماكنه المفضلة التي كان يرتادها لعها تخفف شيئا من لوعة الفراق.

تخيلات عديدة أضحت  تسكن عقول الأمهات، اللواتي لم ينهزمن أمام كابوس اليأس، متسلحات بالأمل ومتلهفات الى معرفة كل خيط معلومة قد تقودهن الى مكان تواجد فلذات اكبادهن، – تقول ليلى اخت المفقود احمد-، لازلنا متشبثين بخيط أمل يضيئ سحابة الحزن الذي خيم على العائلة، منذ ان فقدنا اخبار شقيقي الأصغر، لقد كنا نمي النفس بالحديث معه وهو بأرض المهجر، حيث ظل يعلق  أماله على الهجرة الى اسبانيا لتحقيق امنياته وعقد قرانه بالفتاة التي احب، أمال استعصى عليه تحقيقها ببلده بسبب  البطالة وانسداد الأفق وقلة ذات اليد، فرغم انه جرب عددا من الحرف والمهن الهامشية، لكنه لم يجد ذاته في كل ما تناولته يديه من هاته الحرف.

لقد كان العنقود الصغير في العائلة وكانت لديه مكانة خاصة في قلب الوالدة، كانت الوالدة تمني نفسها برؤية ابنها تطأ قدميه بلاد المهجر، ويعمل من جديد لتحقيق اماله التي كان يرسمها بثقة راسخة وبهمة وطموح كبير لتغيير حياته نحو الافضل ومساعدة العائلة،  لكن قدر الله فوق كل ارادة تقول شقيقته ليلى.

وتستطرد المتحدثة أن الوسيطة “ماية”، هي من توسطت للشباب الخمسة لدى “الحراك”،  بما فيهم شقيق الوسيطة أسامة الذي كان ضمن المجموعة، وهو ما تم بالفعل بعد أن أدى الاربعة تكاليف الرحلة التي وصلت الى  4 ملايين سنتيم للشخص الواحد، أداها الشباب الضحايا، وهم يمنون النفس يوما بالعمل ورد مبالغ الديون التي تركوها خلفهم لأصحابها بعد الوصول  و الاستقرار بأوروبا، خاصة وانهم هيأوا كل الظروف لاستقبالهم من طرف أقاربهم  بديار الغربة، ومن ثم تدبير مساعدتهم في الحصول على فرص عمل لهم وتحقيق احلامهم خطوة بخطوة.

انقلاب القارب وإختفاء الوسيطة “ماية”

 سرعان ما اختفت الوسيطة “ماية” عن الأنظار مباشرة بعد اختفاء الشباب وتعذر الوصول الى أخبارهم ، وما زاد من هواجس العائلات هو ظهور جثة احد الشباب “عز العرب. ب” الذي عثر على جثته  طافية بشاطئ ساحل طرفاية، بعد انقضاء بضعة ايام من حادث الغرق الذي تعرض له  القارب، وهو ما دحض كل الوعود الكاذبة التي كانت تقدمها الوسيطة لعائلات الضحايا على ان الشباب قطعوا عباب البحر بسلام، في حين كان كلامها ذر للرماد لربح مزيد من الوقت وبيع الوهم للعائلات والحيلولة دون تقديم شكايات ضد “الحراكّ” والوسيطة الى العدالة.

لقد كانت مأساة كبيرة لأفراد عائلة “عزب العربّ” الذين تقبلوا الخبر عن مضض، خاصة وان الشكوك لازالت تراودهم حول هوية الجثة التي تم استقدامها من مستودع الأموات بمستشفى بن المهدي بالعيون الى مسقط راسه بمدينة فاس، هناك حيث ورويت الثرى، لقد تغيرت ملامح الجثة كليا مما صعب من مهمة التحقق من هوية الجثة، وتزداد معها شكوك العائلة حول هوية الشخص الذي تم دفنه وتشيع جنازته ، شكوك سارت تتنامى مع توالي الايام، ما حدا بأحد اقارب الهالك المقيم بأوروبا الى شد الرحال الى غاية مدينة العيون، قصد مقابلة مسؤولي محكمة الإستئناف بالمدينة والدرك الملكي بطرفاية، لأجل القيام بإجراءات الحمض النووي، والتأكد قطعيا من هوية الشخص الذي دفنته العائلة، واستبيان الخيط الابيض من الخيط الأسود في موضوع جثة تم دفنها، لكن الشكوك ظلت تؤرق بال جميع أفراد العائلة حول هوية الجثة المدفونة، مما جعلهم يتقدمون بطلب الى المسؤول القضائي يروم إعادة استخراج الجثة المدفونة ومطابقتها بنتائج الحمض النووي وتطمئن بذلك العائلة.

القبض على الوسيطة  و”الحراك”  

خلال أواسط شهر يوليوز، وبفضل معلومات دقيقة توصلت بها مصالح الأمن، تم اعتقال الوسيطة “ماية” بإحدى الدور السكنية بمدينة العيون، حيت كانت على أهبة الإستعداد رفقة 7 أشخاص أخرين للفرار نحو الجزر الإسبانية بمعية “الحراك” “علي. ب” المتهم الرئيسي في قضية انقلاب القارب، فحسب ما جاء في بلاغ صادر عن ولاية الأمن، فقد تمكنت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة العيون ، بناءً على معلومات دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، من تفكيك شبكة إجرامية تنشط في تنظيم عمليات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

وقد أسفرت الأبحاث والتدخلات المنجزة في هذه القضية عن توقيف ثمانية أشخاص، من بينهم مواطن من دول جنوب الصحراء، وذلك للاشتباه في ارتباطهم بهذه الشبكة الاجرامية، كما مكنت إجراءات التدخل المنجزة بشكل متزامن بعدة أحياء بمدينة العيون عن ضبط 23 مرشحة ومرشحا للهجرة غير الشرعية، من بينهم ثلاث نساء وأربعة قاصرين.

كما نجم عن إجراءات التفتيش المنجزة في هذه القضية، حجز سيارتين خفيفتين تم سحبهما الى المحجز الجماعي بالعيون، وكذا خمس سترات للنجاة، علاوة على مبالغ مالية يشتبه في كونها من متحصلات هذا النشاط الإجرامي.

وقد تم إخضاع المشتبه فيهم والمرشحين للهجرة السرية للبحث القضائي الذي يجرى تحت إشراف النيابة العامة المختصة وايداعهم رهن تدابير الحراسة النظرية، وذلك للكشف عن جميع ظروف وملابسات هذه القضية، وكذا تحديد كافة امتداداتها وارتباطاتها المحتملة، وتندرج هذه العملية الأمنية يقول البلاغ، في إطار الجهود المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني لمكافحة الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر.

رحلة نحو المجهول خاضها 5 شبان من قرية “لوناسدة” بقلعة السراغنة

بعد تنسيق مع وسيط  وهو أب احد الشباب الضحايا المفقودين غادر الرفاق الخمسة، قرية “لوناسدة” ضواحي قلعة السراغنة في اتجاه مدينة العيون، طيلة مسافة الطريق كان الشاب الضحية وهو ابن وسيط “سمسار”  يتحذر من ذات القرية، يجري بين الفينة  والاخرى مكالمات مسترسلة مع الوسيط المتواجد بالعيون، والذي سيتكلف بعملية تهجيرهم نحو  الجزر الإسبانية، حيث اتفق مع الشباب الخمسة على ملاقاتهم بحي الأمل بالضاحية الشرقية لمدينة العيون، هناك ستنهي رحلة الضحايا التي بدئوها من دواويرهم بقلعة السراغنة، لتبدأ رحلتهم الجديدة نحو المجهول.

 الشاب عصام أحد الضحايا الخمسة، كان قد أجرى أخر مكالمة له مع والدته “نجاة. س”يخبرها  انهم امتطوا سيارة من نوع “لوندرفير” في اتجاه منطقة محددة سيحلون بها  تتواجد بضواحي طرفاية وخلال مكالمته هاته، وعد سعيد والدته انه سيجري مكالمة ثانية معها حال ركوبه “الزودياك” لخوض مغامرة ركوب البحر، غير ان هاتفه ظل بعدها خارج التغطية، رغم أن الوالدة المكلومة باتت تعاود الإتصال به طيلة ساعات تلك الليلة لكن بدون جدوى.

تقول نجاة الوالدة المكلومة بكل اسى، لقد كان ابني شابا مفعما بالحيوية والنشاط، لقد كنت اجتهد وأكد لأيام وليالي لأوفر له كل ما يرغب فيه كي لا احسسه بالحرمان خصوصا بعد وفاة والدة قبل 7 سنوات خلت، كان املي في هاته الحياة، لقد ثابر واجتهد في دراسته الى أن حصل على الباكلوريا قبل سنتين، لكن مساره الدراسي توقف وأصر على عدم موصلة مشوراه الدراسي، حيث ظل يذكرني دوما كلما ناشدته والتمست منه اكمال مشوار الدراسة، بحالة البطالة الواسعة التي تنتشر في اوساط الشباب المثقف واصحاب الشواهد العليا، حيث  يعيش هؤلاء العطالة في انتظار الذي يأتي أو لا يأتي.

 لقد كان ابني مصرا على المغادرة بأي ثمن، وكان يمني نفسه بالهجرة، كان همه مغادرة البلد لتحسين وضعه الإجتماعي وتتبع علاجه من مرض رئوي ألم به، كان يمني النفس بوجود خالته هناك، حيث ستدبر له اموره الخاصة الى حين حصوله على عمل، ورغم أنني حاولت ان اعدله مرارا عن فكرة الهجرة  خاصة بواسطة هاته الوسيلة المحفوفة بالخطر، غير انه ظل مصرا على تلبية رغبته في الهجرة، أنني أنا الأن اشعر بالندم الشديد حين وافقت على مغادرته البلاد على مضض، تمنيت لو ظل بجانبي وأدفنه بيدي، بدل  أن اوافق على طلبه بالهجرة عبر قوارب الموت، تقول الأم نجاة والدة . 

خبـــــر صــــادم

تلقى وسيط قرية “لوناسدة” خبر صادم بعد أن علم بغرق ابنه الذي لفضته امواج منطقة ساحلية ضواحي طرفاية بعد بضعة ايام من اختفائه ، تم نقل الشاب الغريق الى مستودع الأموات بمستشفى مولاي الحسن بن المهدي، لإخضاعه لتشريح طبي يبين سبب الوفاة، بعد ذلك بأيام قلائل سيشد الرحال الوسيط الى المستشفى المذكور لنقل جثة ابنه لدفنها بمقبرة القرية، وسط حزن والم يعتصر اهل الشاب وساكنة القرية حول مصير رفاقه الأربعة الذين لازالوا مجهولي المصير، ومن ضمنهم الشاب سعيد، الذي لازالت والدته تعد الليالي والايام وتمني النفس بعودته سالما غانما يوما ما، أو تقبيل جثته فقط وموارثه الثرى، حيث سيمكن لها الظفر على الأقل بزيارة قبره والترحم عليه، لكن ان يكون ضمن عداد المجهولين، ودون ان يعرف مصيره هل في عداد الأموات أم الأحياء، فذلك ما يزيد من المعاناة النفسية للأم المكلومة. 

رغم كل الآلام، لم يطرق اليأس قلب الأم نجاة  ولم يجد ملجأ للسكون فيه، فقد طرقت الأم المكلومة جميع الابواب وراسلت عددا من الإدارات والهيأت الحقوقية بالعيون للتعريف بقضية الشباب المفقودين، كما لم تتردد في تسجيل شكاية ضد وسيط القرية وعززتها بمكالمات صوتية،  الى جانب كشوفات مالية تبين المبالغ التي توصل بها الوسيط عبر وكالة تحويل الأموال، مقابل  تهجير ابنها، لكن رغم كل هاته الشكايات لازال الوسيط حر طليق دون ان تلحقه يد العدالة رغم أنه تسبب في ضياع الشباب الخمسة، وضمنهم ابنه الذي تم دفنه بدم بارد، ودون ان يكلف نفسه عناء متابعة من كانوا السبب في هلاك ابنه الضحية، هذا في وقت  لازالت الشكوك تحوم  بقلب وعقل والدة عصام المكلومة، حول هوية الجثة التي تم استقدامها من مستودع الأموات ودفنها بمقبرة دوار لوناسدة.  

تمر الايام والليالي، ونجاة لا تمل من بذل جهود مضنية دون كلل وملل، وتسأل كل من له باع وتجارب سابقة في مجال الهجرة عبر القوارب لعلها تظفر بأجوبة كافية ومقنعة، عن مصير ابنها عصام ومعه باقي رفاقه الأربعة، لكن وبعد مرور تسعة اشهر، لازالت الأم المكلومة لم تسمع أي خبر عن قضية ابنها، ومعها بقية الشباب الاثني واربعين المنتمين الى مدن ومناطق مختلفة، والذين جمعتهم الأقدار لمعايشة وخوض تجربة مريرة ليلة 27 مارس حيث خباياها لازالت مجهولة، لتبقى معاناة الأمهات مستمرة  ومعها استمرار لوعة الفراق الى أجل غير مسمى.

شباب بني ملال وقلعة السراغنة أرقام اضافية في لائحة المفقودين

من مدن الفقيه بن صالح وسوق السبت وبني ملال انطلق ازيد من 30 شابا من مختلف الأعمار  شهر مارس الفارط، في رحلة المخاطرة ومغامرة ركوب البحر نحو جزر الكناري، شباب كله حماس وحيوية يربطهم حلم الوصول الى الفردوس المفقود لا عادة بناء حياتهم من جديد وتحسين اوضاعهم المادية، بعد ان يئسوا من الفراغ القاتل والبطالة بمداشرهم الاصلية، التي ضربتها سنوات القحط والجفاف، وبات يهجرها شبابها لخوض تجربة ركوب قوارب الموت التي قد تكلل بالنجاة او تتعرض للغرق، وكيف لا وهم يشاهدون بأم اعينهم شبان وشابات، يعودون الى دواويرهم صيف كل سنة ممتطين سيارات فارهة ومحملين بالهدايا لأقاربهم، وهو يمنون النفس يوما بالهجرة الى الخارج وتحقيق أحلام وردية وبناء مستقبل واعد هناك بأرض المهجر.

عائلاتهم تكبدت تكاليف الرحلة التي وصلت الى 4 ملايين سنتيم تم تسليمها للوسيط “حفيض. أ” الذي تكلف بإعداد العدة ورسم الخطة بتنسيق مع شركائه  الموجودين بسواحل العيون، قصد تعبيد الطريق لهذا الفوج الجديد وتهجيره عبر قارب مطاطي الى اسبانيا، ومن هؤلاء من باع في سبيل ذلك، أعز ما يملك من حلي وماشية وأراض، ومنهم من اقترض المال من الاهل و الاقارب  لأجل مساعدة ابنه في الهجرة وحجز تذكرة الجلوس وسط قارب مطاطي، في مغامرة غير محسومة بالنجاح ومحفوفة بالمخاطر .

لكن سرعان ما تبخرت هاته الأحلام الوردية وذهبت ادراج الرياح، بعد أن تعذر على الأمهات الإتصال بأبنائهن ومعرفة مصيرهم، لكن الصدمة ستكون اكبر عندما انتهت رحلة البحث عنهم بكل الجزر الإسبانية بدون أية نتيجة ايجابية، رحلات مكوكية بين الجزر تكفل بها بعض اقاربهم المقيمين هناك، كما زاروا  عددا من الملاجئ المحلية، وعرضت صورهم على مصالح المستشفيات والسجون والمصالح الأمنية وهيئات الصليب الدولي دون جدوى، حينها تأكد جليا للعائلات ان الشباب لم يلجوا ارض جزر الكناري، بل لم يغادر القارب الذي كانوا على متنه شاطئ ساحل طرفاية، إنها الحقيقة المرة التي توصلت اليها تخميناتهم، لتستمر بذلك معاناة الامهات في انتظار الذي يأتي او لا يأتي.

شباب مفقود وهواتف مشغلة

في خضم البحث عن الحقيقة، لفتت الأمهات في شكاياتهن الموجهة الى القضاء، أن بعض هواتف ابنائهم المفقودين، لازلت تشتغل رغم مضي شهور من تاريخ اختفائهم، غير أنه واثناء الإتصال بأرقامهم الخاصة،  لا يتم الرد على مكالمتهم حيث يبقى الخط مشتغلا رغم معاودة ربط الإتصال  مرارا، تقول لكبيرة والدة احد المفقودين، وهو الأمر الذي حير الاهالي في هاته القضية اللغز، وهو ما أجبرهم على المبادرة بمراسلة المصالح القضائية للدرك الملكي واشعارهم بخصوص قضية الهواتف المشغلة واجراء خبرة على الخطوط المشغلة، لكن دون ان تتم الاستجابة لملتمساتهم في هذا الشأن.

فمن يدري قد يكون أبنائهم المفقودين، رهائن قيد الاحتجاز لدى عصابة المهربين أوطمرهم احياء ودفنهم وسط رمال الصحراء بعد أن تم الإستحواذ على هواتفهم، خصوصا بعد ان تناهى الى علم الأمهات العثور على بعض الجثث في وقت سابق وقد تعرضت للعنف في انحاء مختلفة من الجسد، ممي يزكي فرضية الإعتداء وممارسة العنف على المفقودين، كما تناهت الى مسامع قصصا مرعبة عما تقترفه عصابات مهربي البشر في حق ضحايا عزل، وضعوا تقتهم في هؤلاء المهربين، قبل ان يتحولو والى وحوش ادمية تعتدي على المرشحين للهجرة العزل، بالضرب والتعنيف وسرقة اغراضهم الخاصة  وتركهم وسط الصحراء يجابهون المجهول.

غير ان أمل الامهات في الوصول الى بارقة امل بخصوص اجراء خبرات على الهواتف الخاصة بالمفقودين ذهبت ادراج الرياح، إذ لم تتم الإستجابة لطبلهم باستصدار امر قضائي وفتح تحقيق بتنسيق مع شركات الاتصالات المعنية لمعرفة سر اشتغال هاته الأرقام الهاتفية المرتبطة بتطبيق “واتسب” كما اوردوا في شكاياتهم، ليستمر بذلك الغموض الذي بات يكتنف هاته النازلة اللغز
الى أجل غير مسمى.

 

سابقة ببني ملال، أمهات المفقودين 42 يخضن وقفات احتجاجية

أمام استمرار واقع المصير الغامض الذي يلف مصير هؤلاء الشباب، اضطرت العائلات الى الخروج الى العلن والإعلان عن تنظيم وقفات احتجاجية امام محكمة الإستئناف ببني ملال في سابقة هي الأولى من نوعها تننظم بالمدينة بتنسيق مع ثلاث جمعيات تعمل في مجال الهجرة غير النظامية وهي على التوالي المنظمة المغربية للهجرة ودعم المهاجرين باكادير وجمعية الساقية الحمراء للهجرة وجمعية المهاجر بمدينة وجدة .

فخلال هاته الوقفة الأولى، حملت الامهات صور الابناء المفقودين، وصدعت حناجرهم بشعارات تطالب لجهات المسؤولة بتسريع البحث عن ابنائهم المختفين منذ 27 من شهر مارس المنصرم، تاريخ ركوبهم القارب في اتجاه جزر الكناري المحتلة، قبل أن تنقطع الاتصالات بهم.
رفع المحتجون خلال هاته الوقفة، صور 42 شابا من أبنائهم المختفين،

كما طالبت العائلات الجهات القضائية بتوقيف مجموعة من السماسرة الذين توسطوا وساهموا في عملية تهجير ابنائهم نحو الضفة والأخرى، والذين لازالوا احرارا رغم عدد من الشكايات المرفوعة ضدهم لدى السلطات القضائية بكل من العيون وبني ملال.
واستنكر عائلات المفقودين بساحل العيون، استمرار حالة الغموض التي تلف قضية 42 شابا مفقودا، وتلكأ السلطات القضائية، في تقديم أي أخبار بخصوص جثث الضحايا رغم قيام الأهالي بجميع الإجراءات المسطرية والاستماع الى افاداتهم في النازلة، غير ان الجهات المسؤولة لازالت لم تعلن اي جديد بخصوص ملفات اختفاء الضحايا، ومعرفة مصيرهم هل هم في عداد الاحياء أم الاموات.

 

الى ذلك قرر عائلات المفقودين، خوض كافة الاشكال السلمية المشروعة للتعريف بقضيتهم، وناشدت الأمهات، الهيئات الجمعوية والحقوقية لمساندتهن في قضيتهن ومساعدتهن لمعرفة الحقيقة الكاملة في هاته النازلة، وكشف النقاب عن مصير فلذات أكبادهن الذين اختفوا في ريعان شبابهم، بعد أن كان أملهم تحسين اوضاعهم المادية والبحث عن سبل العيش الكريم في الضفة الاخرى.

عائلات المفقودين تجدد احتجاجها بالعاصمة الرباط

بدعوة من جمعية الهجرة بوجدة، شددت مجموعة من الامهات الرحال الى العاصمة الرباط، من اجل اسماع صوتهن الى جانب العشرات من الاسر التي فقدت ابنائها في محاولات سابقة للهجرة الى اسبانيا او ايطاليا، حضر الاسر من عدد من مدن المملكة، يجمعهم هدف واحد  ومطلب وحيد وهو كشف مصير أبنائهم المفقودين وضمنهم فئة من الشباب المحتجزبن بسجون الليبية والجزائرية. 

وكعادتهم جددت عائلات مفقودي مجموعة 27 مارس،  الذين ابوا الى ان يتحملوا عناء السفر ونصرة عائلات اخرى تعاني نفس المعاناة منذ فترات طويلة، استجمعت الأمهات الهمم، ودافعن عن قضيتهن حيث سجلن تصريحات اعلامية للتعريف بقضيتهن امام الرأي العام، خاصة مع استمرار حالة الغموض التي تلف قضية  42 شابا مفقودا منذ ما يقارب سنة، وتلكأ السلطات العمومية بالعيون،   تقديم أي أخبار بخصوص هؤلاء الضحايا المفقودين.

وناشدت العائلات خلال هاته الوقفة، الجمعيات المدنية والهيئات الحقوقية مساندتهم في قضيتهم، والنظر بعين العطف والرحمة للأمهات الثكالى ومساعدتهن من أجل الوصول الى معرفة الحقيقة الكاملة في ملف هاته القضية، التي اثرت بشكل سلبي على حياتهم  العادية وزادت من معاناتهم النفسية.

و حملت العائلات المكلومة في فقدان فلذات اكبادهم القادمين من كافة مناطق المملكة “المسؤولية المباشرة لهذه الوضعية لنظام الحدود ونظام التأشيرة والسياسات غير العادلة الذي تفرضه أوروبا على دول الجنوب ضدا على حرية التنقل التي تنص عليها المواثيق والعهود الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان”، مؤكدة عزمها “مواصلة مطالبها واحتجاجها من أجل أبنائها للكشف عن مصيرهم وإجلاء الحقيقة ومحاكمة السياسات الأوربية القاتلة المتعلقة بالهجرة والمهاجرين.”

وطالبت العائلات المذكورة “تسهيل عملية إجراء الحمض النووي ADN للعائلات المعنية للكشف عن هوية الجثث المتواجدة بمستودعات الأموات بالناضور وكذا بالجزائر”.كما دعت الأسر “دول الاتحاد الأوربي وخاصة إسبانيا وفرنسا والدولة المغربية والدول المعنية المغاربية بالكشف عن مصير أبنائها وتحمل المسؤولية بنشر لوائحهم وأماكن احتجازهم وإطلاق سراحهم فورا وتسليم رفات المتوفين على باعتبار أنهم يرغبون في الهجرة لتحسين أوضاعهم”، مؤكدين على أن “الهجرة حق وليست جريمة”.

درك طرفاية يعلن دفن 14 جثة  وصدمة وسط عائلات المفقودين

تلقت  “ش. نعيمة

الاخبار العاجلة