قضت محكمة الاستئناف بالرباط، مؤخرا، بأحكام تراوحت بين البراءة وسنتين حبسا نافذا في حق ثلاثة قضاة مستشارين كانوا يشتغلون باستئنافية البيضاء.
وبذلك ذهبت الغرفة الاستئنافية إلى ما اقتنع به قضاة الغرفة الابتدائية في حق المستشار الأول، وحكمت بسنتين حبسا نافذا وغرامة خمسة ملايين، كما أصدرت في حق الثاني عقوبة سنة حبسا نافذا، وغرامة ثلاثة ملايين، فيما نال المستشار الثالث البراءة، في فضيحة الوساطة في الأحكام القضائية التي هزت البيضاء قبل سنة ونصف سنة.
وناقشت المحكمة الملف من جديد، وتأكد لديها وجود أدلة على ارتكاب القاضي الأول جرائم طلب رشوة من أجل القيام بعمل من أعمال الوظيفة واستغلال النفوذ، والمستشار الثاني طلب وتسلم رشوة للقيام بعمل من أعمال الوظيفة، وصرحت قاضية التحقيق بوجود أدلة كافية على تورطهما في تلك الأفعال، كما صرحت بتورط الثالث، لكن المحكمة كان لها رأي آخر في نازلته، بعدما تنصب ما يزيد عن 35 محاميا من هيآت مختلفة للترافع في الملف.
وتداولت المحكمة في القضية المعروفة بالوساطة في التلاعب بالأحكام القضائية مقابل رشاو على صعيد الدائرة القضائية للبيضاء، والتي كان يقودها الوسيط الشهير بـ “ربكو” وبسطت هيأة الدفاع، عددا من النقط لتبرئة موكليها، واعتبر محامون أن الأمر يرتبط بتصفية حسابات معهم من قبل سماسرة، وأن المكالمات غير واضحة، ولا يمكن اعتمادها دليلا لإدانة موكليهم، لكن المحكمة كان لها رأي آخر واقتنعت ببراءة قاض واحد.
وسقط المتهمون بعدما تفجرت فضيحة الوسيط “ربكو” الذي جر معه العديد من الموظفين والأمنيين والقضاة والوسطاء إلى ردهات المحاكم والسجون، وأمر الرئيس الأول لاستئنافية البيضاء في 23 يناير من السنة الماضية، بالتقاط مكالمات هاتفية وإجراء خبرة صوتية للمطابقة بين الصوت الطبيعي لـ “ربكو”، والأصوات الواردة في مجموعة من التسجيلات الهاتفية الملتقطة من مكالمات للمعني بالأمر نفسه.
كما جرى التقاط مكالمات هاتفية للمستشارين المشتبه فيهم وموظفين، لتفضي نتيجة البحث التقني إلى وجود شبهات قوية في تورطهم في الأفعال الجرمية المرتكبة، أفضت إلى إحالتهم على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، الذي قرر عرضهم على قاضية التحقيق المكلفة بجرائم الأموال.
وتفجرت النازلة بعدما توصلت عناصر المكتب الوطني لمكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمعلومات مفادها انتظام مجموعة من الأشخاص في إطار عصابة إجرامية يتعاطون الإرشاء والارتشاء والوساطة في ذلك لدى موظفين عموميين مقابل مبالغ مالية كبيرة على صعيد محاكم البيضاء، وتبين أن أفراد العصابة يستعملون سبعة أرقام رئيسية للتواصل بينهم.
ووافق الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالعاصمة الاقتصادية على تسجيل وأخذ نسخ من تلك المكالمات الهاتفية، وتحرير محضر عن كل عملية التقاط، يبين فيه تاريخ بداية العملية وانتهائها، طبقا لمقتضيات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك بما تقتضيه ضرورة البحث الجاري في مواجهة مجموعة من الأشخاص الذين أظهرت المعلومات الأولية عنهم أنهم ينتظمون في شكل عصابة إجرامية.