غادرت فرنسا وندوب الاستعمار ما تزال ظاهرة ويجتر تبعاتها المغرب والجزائر في قضية الحدود بين البلدين ومنها الصحراء الشرقية المغربية، التي عبثت بترابها الآلة الاستعمارية الفرنسية، إذ تصنف من أعقد القضايا السياسية بين الجانبين، وكانت وراء تعطيل جملة أوراش إستراتيجية ورهانات ذات طبيعة إقليمية.
مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، طرح السؤال: هل يفتح المغرب ملف الحدود والأجزاء المقتطعة من التراب الوطني لصالح الجزائر “المستعمرة الفرنسية” في وقت سابق من القرن 18 إلى منتصف القرن 19
وتملك فرنسا وثائق تاريخية واتفاقيات سرية، على غرار المفاوضات المغربية الجزائرية حول الحدود والصحراء الشرقية المغربية التي جرت خلال يوليوز 1961، تتضمن اتفاقا بين الطرفين بقوة مسودة في الموضوع، وتخص اعترافا رسميا جزائريا بحق المغرب في استرجاع أقاليمه، وهو ما ترتب عنه نزاع مسلح عرف بـ”حرب الرمال”.
في بداية عام 1961، اضطرت الحكومة الجزائرية التجاوب مع المطلب المغربي بشأن حل قضية الحدود فتشكلت لجنة مشتركة عن البلدين لدراسة المشكل الذي أقحمت فيه الجزائر دراسة مشروع وحدة المغرب العربي، وذلك من أجل تمييع قضية الحدود ووضع المغرب أمام الأمر الواقع.
وتناولت الايام 24، قضية الحدود اشعلت نار المواجهات العسكرية المغربية الجزائرية حول “تندوف”، لمَّا قمعت الجزائر مظاهرات طالبت بانضمام الإقليم للمغرب. وهكذا بدأ المغرب يطالب بالوفاء للاتفاقيات، رافضاً كل حدود موروثة عن فترة الاستعمار، عندما انضم إلى منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، وهو ما ترتب عنه نزاع حدود بين البلدين الجارين عرف بـ”حرب الرمال”.
وكان المغرب قبل هذه الواقعة بعث بوفدين متلاحقين إلى الجزائر لتسوية الملف سلمياً بناء على ما هو سابق بينهما من اتفاق في هذا الشأن، بل تلت ذلك زيارة رسمية للملك الحسن الثاني خلال مارس ألف وتسعمائة وثلاثة وستين، أثيرت فيها قضية الحدود التي فضل الرئيس الجزائري “بن بلة” تأجيلها إلى ما بعد انتهاء انتخابات رئاسة الجمهورية وسريان الدستور الجزائري.
وبدا المغرب متشبثاً دوماً في بياناته، بما في ذلك أثناء المفاوضات الجزائرية الفرنسية (ايفيان)، بأن الصحراء الشرقية المغربية لا توجد ضمن السيادة الجزائرية، إلى درجة أنه خلال التفجيرات النووية الفرنسية في “رقان” أكد أن مكان التفجيرات هو أرض مغربية، بحيث رفع في هذا الشأن مذكرة إلى الجامعة العربية من أجل التدخل لدعم مطالبه الترابية التاريخية.
ولم يكن قبول فرنسا التفاوض حول قضية الحدود مع المغرب والحالة هذه سوى مناورة أجاد لعبها “ديكًول” لإبعاده عن كل تضامن مع الثورة الجزائرية، وحتى يدخل في صراع مع جبهة التحرير الوطني التي كانت ترى أن تسوية الملف لا يمكن أن يتم إلا بعد تحقيق الجزائر لاستقلالها.
ودليل مناورات فرنسا لإبعاد ما حصل من تقارب في مؤتمر طنجة بين تونس والمغرب من أجل مساعدة الثورة التحريرية الجزائرية ما جاء في مذكرات “ديكًول”: “إن تنمية تنقيبنا عن البترول في الصحراء واستثمارنا له سيصبح غداً بالنسبة إلينا نحن معشر الفرنسيين عنصراً رئيسيا للتعاون مع الجزائريين، فلماذا نقضي مسبقاً عليه بتسليمنا إلى الآخرين أرضاً تعود في وضعها الحالي إلى الجزائر؟”، مضيفاً أنه إذا استجابت فرنسا لمطالب تونس في حدودها مع الجزائر فإنها ستحرك مطامع المغرب في كولمب بشار وتندوف.
وقضية الأجزاء المغتصبة من التراب المغربي لم تغب يوما عن الخطاب السياسي في المغرب، حيث سبق أن اندلعت أزمة دبلوماسية بين المغرب والجزائر بسبب تصريحات حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال سابقا، والتي طالب فيها المغرب باسترداد “الأراضي المغتصبة من جانب الجزائر لا سيما وأن الحدود لا تزال غير مرسومة بين البلدين”.
وردت وقتها الخارجية الجزائرية أن تأثير تلك التصريحات “كان بالغ الضرر، وفضلت السلطات المغربية غض الطرف عنها بالتزام الصمت”، لترد الخارجية المغربية قائلة إن حملة التشهير، التي تشكو منها الجزائر، “تدخل في إطار الحق المكفول للجميع بحرية التعبير والرأي، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الجوهرية للبلاد”.
المساء
هيئة التحرير