لا أحد كان يظن، أو حتى فكر، في أن هذا الفيلاج الصغير، والذي لا يتوفر حتى على “الواد الحار”. سينبث بين جدرانه متطرفين، كرهوا الدولة ومعها الحياة، فانساقوا لإغراءات الجنة الموعودة فوق، بعد إن إستعصى عليهم الفيلاج بحنانه، وإهتمامه بهم.
ولا أحد سيصدق، أن هذا الفيلاج، والذي يناموا فيه الناس أبكر من الدجاج. وإن مرضوا لا يتوجهون لمستوصفه البئيس، حيث لا شيئ موجود، ولا أمل في العثور على علاج. وكل ما يفعلونه هو قصد “المارشي”، وإبتياع بعض الأعشاب “والمخينزة”، يطلون رؤوسهم بها، يشربون الأعشاب بعد غليها، ويخلدون للنوم متوجهين برؤوسهم نحو القبلة، كأنهم بفعلهم ذاك، يتمرنون على القبور التي أقرب إليهم من إهتمام مسؤول. لا أحد سيصدق، أن في هذا الفيلاج، ظهر “داعشي” ناقم على الوضع، فاختار أن يتسلح بفكر متطرف، مادام أن حال الفيلاج وساكنيه يدعوا للبكاء.
فيلاج سبت الكردان. شارع طويل فقط، ومقاهي وكلاب ضالة. مخفر درك “وموقف” يرتاده الرثين في الصباح الباكر بحثا عن عمل، وعند العاشرة يغادرون مطأطئي الرؤوس لمنازلهم، لا عمل اليوم، كما لم يكن البارحة. وغدا أمره عند الله مكنون.
محطة “الطاكسيات” وعربات نقل مزدوج، يمر أصحابها المعروفين لجمع الروسيطة كل مساء. يقبضون ثمن الأرواح التي نجت من الموت، والتي يكدسها السائق في أحشاء “الفاركونيط” عند كل رحلة. مركب ثقافي لازال عاريا، يتيما دون أن يرق قلب المسؤولين لحاله، ويتمون ستر جدرانه وفتحه أمام شباب تاه في غياهب الإدمان، ومن كان عقله خفيفا وخلقه ضيق، سقط في فخ التطرف. فهم في جري وراء الدراهم، لا يهمهم الشباب ولا الثقافة ولا العلم. أه تذكرت، أخبرونا إبان حملتهم الإنتخابية أن الشباب همهم، وحين فض جمع الإنتخابات، وفاز من فاز وخسر من خسر. ركبوا سياراتهم وصاروا يبحثون عن الصفقات، عن المال وبناية جديدة “فلوطيسمة”، وأرضي يشترونها، وعقارات يسجلونها في أسمائهم. فالشباب كان همهم،فقط، لحظة كان يوزع مناشير حملاتهم الإنتخابية الكاذبة…