لم تستجب الجارة الجزائر لعرض المغرب المساعدة في إخماد الحرائق التي شبت بعدد من غاباتها، كما لم يمنع فقدان أرواح في هذه الحرائق قصر المرادية من لعب لعبة سياسية مقابل الالتفاتة الإنسانية للمملكة.
وفي الوقت الذي كانت الرباط تنتظر تجاوبا جزائريا رسميا مع المبادرة الملكية، تم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لاستئجار طائرات لإخماد الحرائق.
ولم تمض سوى أيام معدودة على البادرة الملكية الإنسانية، وفي عز أزمة الجارة الشرقية، اختار النظام الحاكم فيها الهروب إلى الأمام بإثارته قضية الصحراء المغربية و”حق البوليساريو في تقرير المصير”.
ريمة ضد الشعب الجزائري
أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية والشؤون الإفريقية، فسر ما أسماه بـ”التلكؤ” في قبول اليد الممدودة للمغرب من خلال ثلاث مقدمات.
وقال نور الدين، في حديث لهسبريس، إن أولى المقدمات هي “السقوط الأخلاقي للنظام الجزائري بكل مكوناته”، موضحا أن “عدم قبول مساعدة المغرب، البلد الشقيق الذي دعم ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، في الوقت الذي قبل فيه النظام الجزائري مساعدة فرنسا، وهي مستعمر الأمس القريب الذي قتل من الشعب الجزائري مليونا ونصف مليون جزائري، حسب النظام الجزائري نفسه، لوحده إدانة أخلاقية سيكتبها التاريخ في سجله الأسود”.
وأضاف أن “هذه المماطلة أو الرفض المقنع، هي جريمة مضاعفة، لأن هناك أرواحا من الشعب الجزائري مهددة بالحرق في الولايات التي تشتعل فيها النيران”.
فزاعة المغرب
ثاني المقدمات التي تحدث عنها نور الدين، هي أن “النظام الجزائري لا يريد أن تنكشف عورته أمام الشعب الجزائري، الذي لن يتفهم كيف ينفق الجنرالات كل سنة ميزانية عسكرية تتراوح بين 10 و13 مليار دولار على شراء كل أنواع أسلحة الدمار من طائرات مقنبلة وصواريخ وغواصات… ولا ينفق 200 مليون دولار لشراء طائرات لإطفاء الحرائق!؟”.
وأبرز المتحدث أن “النظام الجزائري بحاجة إلى الإبقاء على فزاعة المغرب كعدو خارجي يهدد الجزائر، حتى يبرر سيطرة الجيش على السلطة والثروة ضدا على إرادة الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام”.
عقيدة النظام
وتابع نور الدين بأن النظام الجزائري لا يريد أن يبدو في نظر الشعب ضعيفا أمام المغرب؛ إذ سيعقد الرأي العام الجزائري مقارنة بين البلدين ويخلص إلى نتائج ليست في صالح الجنرالات.
وأضاف: “إذا قبل مساعدة المغرب، ستسقط اتهامات العداء التي هي عقيدة النظام الجزائري التي عاش تحت ظلالها الكاذبة طيلة نصف قرن”، وتلك هي المقدمة الثالثة التي تفسر رفض قصر المرادية اليد الممدودة للمملكة.
إحراج للنظام الجزائري
من جانبه، قال عبد الفتاح نعوم، باحث في العلوم السياسة، إن الدعوة المغربية وقبلها الخطاب الملكي، أحرجا النخبة الحاكمة في الجزائر، مضيفا أن “أي تعامل جيد من المملكة يضع الجارة الشرقية في الزاوية”.
وأكد نعوم، ضمن تصريح لهسبريس، أن الجزائر تقوم بـ”خلط الأمور ببعضها وخلط الملفات ببعضها كأن لسان حالها يقول: مادام بيننا خلافات فلا مجال لأي تعاون أو حوار أو أي شيء”.
ي المقابل، أشار المتحدث إلى أن المغرب يشتغل بمنهجية الفصل بين النزاعات والملفات، مذكرا بالسياق الذي جاءت فيه الدعوة المغربية والذي يتسم بالتوترات، خاصة بعد مساعدة النظام الجزائري على إدخال إبراهيم غالي بطريقة غير شرعية وغير قانونية إلى إسبانيا.
وتابع قائلا: “الجزائر تعتبر كأن في الدعوة نوعا من المزايدة أخلاقيا أو أن المغرب يبادل السيئة بالحسنة، وهو أمر خاطئ”.
وأكد نعوم أن وجود النخبة العسكرية في الجزائر رهين بمدى عدائها للمغرب، قائلا: “أصبحت تروج الإشاعات وتقحم المملكة حتى في مشاكلها الداخلية”.
الأمن الإقليمي المناخي
الخبير في العلاقات الدولية عبد الفتاح الفاتحي أبرز بدوره أن العرض المغربي للجزائر يدخل في إطار الجوار وحماية الأمن الإقليمي المناخي، قائلا في تصريح لهسبريس إن “الإرادة الملكية تشمل كافة المستويات، وخاصة في إطار الميثاق الأخلاقي للمناخ وتدبير الأمن الإقليمي والقاري”.
وأضاف الفاتحي أنه “من واجب المغرب الترفع على كل الحساسيات والتدخل لحل المشكل الذي يتجاوز الحدود الترابية للجزائر”.
واعتبر المتحدث أن “رد الفعل الجزائري مغامرة حقيقية في حق المناخ وحق التعاون والجوار”، مشددا على أن “الأمر له تأثير على الفضاء العام الإفريقي للمناخ، وهو مشترك لجميع الأفارقة”.
وتابع بأن استمرار الحرائق يمكن أن يكون له تأثير على كافة القارة، موردا أن “الجزائر لا تتحمل مسؤوليتها في ضرورة تطبيع العلاقات وتأمين المناخ رغم التقارير الدولية التي تدعو العالم إلى ضرورة الانتباه إلى هذا المشكل عن جريدة هيسبريس”.